شاهدت فيلم ليلة سقوط بغداد و فيلم عمارة يعقوبيان - حفلة منتصف الليل - و الفيلمان للكبار فقط - و مع ذلك إمتلأت قاعة العرض بالأطفال فى الفيلمين و لا أدرى لماذا !! مجرد ملاحظة عابرة
فيلم عمارة يعقوبيان هو المعالجة المصرية لفيلم أمريكان بيوتى - أمريكان بيوتى يسرد قبح المجتمع الأمريكى من خلال مجموعة من الأشخاص يفترض أنهم يعبرون عن واقع المجتمع الأمريكى بينما عمارة يعقوبيان يسرد قبح بل نجاسة بل قذارة بل .... لا أجد كلمة تعبر عن المعنى ..... المجتمع المصرى من خلال مجموعة من سكان عمارة يعقوبيان حيث ترمز العمارة إلى مصر و يرمز السكان إلى طبقات الشعب المختلفة حيث تقطن الطبقات الغنية فى شقق بينما تسكن الطبقات الفقيرة على السطوح
و يعكس تاريخ العمارة تاريخ مصر بدءاً من الإحتلال الأجنبى متمثلاً فى بناء يعقوبيان لعمارته وسكن الأجانب و اليهود ثم تركهم للعمارة و هو يرمز لنهاية الإحتلال الأجنبى و الحكم الملكى و عصر الباشاوات أو الطبقة الأرستقراطية متمثلة فى زكى باشا (أنا أقدم واحد فى العمارة) و أخته الجاحدة عليه
ثم جاء عصر الثورة و الضباط الأحرار الذين سكن الكثير منهم العمارة بعد أن إغتنوا و لكن لم يغير هذا من أصلهم ( فمازالت زوجاتهم تربى البط على السطوح) - و لم يرمز الفيلم لشخص معين بوضوح يمثل هذه الطبقة و لكن أنا أتوقع أن تكون شخصية كمال الفولى ترمز إلى تحول الضباط الأحرار إلى سلطة البلاد الحاكمة التى تستطيع أن تجعل البلد تقف أو تقعد - على حد قوله
ثم توارى الضباط الأحرار و بدأ عصر الفساد من خلال الطبقة البرجوازية الطفيلية التى ظهرت فجأة و سكنت العمارة و لا يدرى أحد من أين أتت ثرواتها و لكنها تملك الكثير من المال و السلطة الذى يمكنها من سكنى العمارة و الصعود لقمة المجتمع و إخفاء قذارتهم بغلاف دينى و إجتماعى أنيق - رمز لهذه الشخصية الحج عزام - ماسح الأحذية الذى إغتنى من تجارة المخدرات و غسل أمواله بتجارة السيارات ثم سعى لتلميع صورته القبيحة من خلال سعيه للمجلس الموقر - و لكنه مازال فاسداً يدارى على تجارته المشبوهة بحصانته و يدارى على شهوته بزواجه السرى - و هو بمحدودية عقله و أصله البسيط يجد دائماً من يبرر أعماله و يحللها (الشيخ السمان)
و يأتى عصر التحديث و إقتباس النموذج الغربى من قاع المجتمع الأوروبى بعد الإنفتاح - فيأتى ناجحاً عملياً و لكن شاذاً غير قادراً على الإندماج فى المجتمع المصرى فيعيش وحيداً معذباً - و يرمز لهذا الصحفى الناجح الشاذ جنسياً حاتم رشيد الذى لا يستطيع أن يتكيف مع المجتمع المصرى فيعيش منبوذاً و معذباً
الجماعات الإسلامية - فى وجود هذه الطبقات المتصارعة الغير سوية يفشل الشباب البسيط الطموح فى نيل فرصة عادلة فى الحياة لإفتقارهم إلى النفوذ أو المال فيقعون فريسة للعنف الدينى ليجدوا متنفساً لحل مشاكلهم و يبتعدون عن مجتمعهم الذى سبق و نبذهم أيضاً - يرمز لهذا الشاب طه إبن حارس العقار الذى فشل فى الإلتحاق بكلية الشرطة ثم فشل فى الإندماج بطبقات المجتمع المختلفة فإتجه للجماعات و إبتعد عن خطيبته
فى ظل وجود كل هذه الطبقات المتصارعة كانت الطبقة الحاكمة هى التى تمسك بجميع الخيوط و تتحكم فى جميع الأطراف فهى تكبت الجماعات و تشارك الفاسدين بينما تلعب الطبقة الكادحة و المتوسطة ( المثقفة) دوراً سلبياً ( فاكرين الحكومة هى أمها اللى ماسكاها من إيدها) على حد قول كمال الفولى
بينما يمثل الرجال طبقات الشعب القوية يمثل النساء طبقات الشعب الضعيفة - الطبقة الكادحة الفقيرة المغلوبة على أمرها التى يقتصر دورها على خدمة الطبقات الغنية و تلبية شهواتها الرخيصة
و أمام قهر الطبقة الفقيرة لا يجد عامة الشعب بداً من مسايرة الواقع المرير - إما كان مغلفاً بساتر شرعى كما وافقت سعاد على زواجها من الحج عزام بغرض تأمين مستقبل إبنها - و إما كان مستتراً كما وافقت بثينة على بيع نفسها أو الإحتيال من أجل توفير المال لعائلتها بعد وفاة الوالد
يمثل المجند عبده الطبقة المجهولة تماماً من الشعب - الفلاحين - الذين طغت أميتهم على أحلامهم - الذين يعيشون تحت خط الفقر و هم على إستعداد لتصديق أى شىء بسذاجتهم من أجل المال و يعيشون فى ذل شديد بسبب الفقر و الجهل
تأتى النهاية لتوضح نتيجة هذه الصراعات كلها فالطبقة المعدمة المجهولة تهرب و تتوارى - المجند عبده - و الطبقة الفقيرة إما تندمج بالطبقة الأرستقراطية للبقاء على الحياة - زواج بثينة و زكى باشا - و إما تعيش تحت إرهاب و قهر الفساد - طلاق سعاد و الحج عزام و تهديدها بعد إجهاضها - و العنف الدينى للجماعات الإسلامية ينتهى - موت طه - السلطة لا يمكن قهرها - رضوخ عزام للفولى - الطبقة المثقفة الناجحة تموت نظراً لعدم قدرتها على الإنسجام - موت الصحفى الشاذ -