الأربعاء، مايو ٣٠، ٢٠٠٧

اللقاء الثانى


هذه القصة مركبة نوعاً ما و طويلة نوعاً ما و تحتاج إلى تركيز فأعذرونى :)
بقلم ميشيل حبيب.
للمشاهدين من FaceBook يرجى القراءة من موقع البلوج أفضل هنا
إضغط هذه العلامة لتحميل الموسيقى

الزمان: صيف 1986
المكان: عروس البحر المتوسط

خلا كورنيش البحر من المارة تقريباً نظراً لإقتراب إمتحانات الثانوية العامة. كانت الساعة تقترب من الثانية ظهراً حينما مر شادى و ميريام من أمام كازينو بسترودس، أحد علامات شاطىء جليم. لم يتوقفا عنده لكنهما إستمرا فى طريقهما لشاطىء ستانلى و نزلا أمام الكبائن المطلة على البحر مباشرة. خلعت ميريام صندلها الأبيض الذى بدأ نعله يذوب و لونه ينطفىء. أفلتت يدها من يد شادى و جرت بدون أى كلفة على الرمال الساخنة فى إتجاه المياه. رفعت فستانها الأزرق قليلاً حتى لا يبتل كثيراً و توقفت لحظة ثم قذفت بحقيبة يدها الكبيرة إلى شادى و مضت لتدفن قدميها فى المياه. تحسست المياه الصافية بيديها ثم نظرت إلى الخلف لتجد شادى و قد توقف بعيداً عن المياه عاقداً ساعديه و حاجبيه. إبتسمت إبتسامة شقية و هزت كتفيها ثم بدأت ترشه بالمياه حتى لا يبقى هكذا فى مكانه. أخفى شادى وجهه بحقيبتها فى إنزعاج ثم أسرع بخلع حذائه و إنطلق تجاهها فتوقفت عن رش المياه و مدت له يدها. أمسك شادى بيد ميريام و أحاط كتفيها بيده الأخرى و نظرا ساهمين إلى البحر و أمواجه الرتيبة التى كانت تعلو و تعلو ثم تنتهى عند أقدامهما العارية.

جلسا قليلاً فوق الرمال لكى يرتاحا فقد إعتادا أن يمشيان على الكورنيش لساعات طويلة حتى الغروب فى أيام العطلة. لم يسلما من بائعى المياه الغازية و المصورين الذين لا يجدون زبائن كافين فى هذا الوقت من العام. فتارة يستسلم شادى لهم لكى يبقيهم بعيداً و تارة يخرج لهم جيوبه حتى يعلمون أنه ليس لديه أى مال فى هذا اليوم.
مرّ بائع الفرسكا سريعاً فقامت ميريام مسرعة إليه كالأطفال و إستوقفته فهى تعشق الفرسكا المقرمشة الممتلئة بالعسل بين طبقاتها الرفيعة. ثم عادت إلى شادى و أعطته 6 قطع من الفرسكا و جلست مرة أخرى بجواره. مدت يدها لتأخذ واحدة و تأكلها. أخذ شادى ينظر إليها و هو يأكل الفرسكا فقد أحس بطعم الرمال فيها فأشارت ميريام إلى يديها التى ملأها الرمال و هزت كتفيها ضاحكة و هى تنفض يديها. يحمل الهواء الرمال إلى عيون شادى فيطقطق بفمه و يغمض عينيه فى شدة فتمسحهما بأصابعها التى مازالت بها أثار الرمال فيغمضهما أكثر حتى تسيل دمعة أو إثنتان. لا تدرى هل هى من الألم أو الفرحة لكنك تعلم أن هالة من الحب تملأ هذا المكان.
تلتهم ميريام آخر قطعة من الفرسكا و تتذمر فهى جائعة للغاية. يقف شادى و يأخذ بيدها، يرتديان أحذيتهما عند إحدى الكبائن ثم ينطلقان مرة أخرى على الكورنيش.

يتوقفان عند كازينو سان جيوفانى، هذا الكازينو الأرستقراطى العتيق الذى يقع مباشرة على شاطىء ستانلى. ينظران نظرة مطولة إلى الداخل، يبتسم لهم الحارس و يفتح لهم الباب الزجاجى مرحباً بهم. تتردد ميريام فى شدة و تنظر إلى شادى الذى ينقل نظره بينها و بين الحارس ثم يبتسم داعياً إياها إلى الدخول. تقف ميريام عاجزة عن الحركة فيدفعها شادى إلى الأمام قائلاً: ليديز فيرست. تدخل ميريام إلى قاعة الكازينو الداخلية و يتبعها شادى. تنظر إلى ديكورات المكان الشديدة الأناقة ثم تنظر إلى شادى فى قلق فيطمئنها مشيراً إلى حافظته فى ثقة. يتسع وجهها بإبتسامة صافية و تتجه إلى الداخل. يقابلهما نادلاً يرتدى سترة سوداء أنيقة و بابيون. تشير هى إلى منضدة بعيدة ترى البحر مباشرة، فيتحرك الجميع إليها. يناولهما النادل القائمة فى أدب جم كما لو كان يعتذر عن ذنب ما ثم ينصرف بإبتسامة عريضة.

تنظر ميريام إلى أصناف الأكل فى لهفة بينما ينظر شادى إلى الأسعار فى رعب. لكنه كان قد إدخر بعض المال لهذا اليوم الهام، كل ما فى الأمر إنه لم يتعود مثل هذه الأماكن الراقية. تتهادى موسيقى جميلة إلى أذانهما من مكان قريب. إنها أجمل من أن تكون مسجّلة. تتنقل ميريام بعينيها حتى تقع على عازف البيانو الذى يجلس أمام بيانو جميل بقرب مدخل القاعة. أخذت تشير لشادى بيديها إليه فى شكل ملفت حتى جذبا أنظار رواد الكازينو. إنكمشت ميريام فى كرسيها فى خجل بينما رفع شادى عينيه عن القائمة إلى وجهها فى عشق واضح. كم يعشق تلقائيتها الشديدة و حماسها للحياة المتجدد كل يوم برغم كل ما يمروا به من مشاكل. إن تفاؤلها الشديد يملأ حياته بالأمل دائماً. بدأت هى تخمن الموسيقى التى تسمعها، إنها بالطبع إحدى روائع عمر خيرت لكنها لا تدرى أيهم. هى تصر إنها موسيقى خلى بالك من عقلك بينما هو يصر إنها موسيقى قضية عم أحمد. إنها تستمتع بها أياً كانت. أخرجت شيئاً ما من حقيبتها، ما هذا؟ سألها شادى فى فضول. إتسعت إبتسامتها الجميلة الصافية و هى تقول له كل سنة و هو طيب. لقد كانا معاً لمدة سنة بالتمام و الكمال. أمسك شادى بيديها و قبّلها ثم تناول الهدية من بين يديها و فتحها ليجد أجندة بها مفتاحين و قفل صغير. ما هذه الأجندة؟ قال شادى فى دهشة و هو يفتح القفل الصغير.لم تقل شيئاً بل دفنت وجهها فى القائمة فبدأ شادى يتصفحها، لقد إمتلأت صفحاتها بالكثير و الكثيرمن الكلام بخط منمق جميل، هناك قصاصات من أشياء، صور، تذاكر و غيرها...
فتح الصفحة الأولى و أخذ يقرأ بصوت تكاد تسمعه هى:
حبيبى الغالى، منذ عرفتك بدأت أكتب خواطرى، كل يوم يمر، كل ليلة قبل أن أغمض عيناى، أتذكر الكثير من المشاعر و الذكريات الجميلة التى أخاف أن أنام يوماً ما و أنساها. لذا أدونها هنا فى هذه الأجندة و أقرأها عندما أشتاق إليك. ستجد هنا ذكرى لقائنا الأول، تذاكر أول فيلم شاهدناه سوياً ، أول صورة لنا، يوم خطوبتنا، رحلاتنا الجميلة و حتى نزهاتنا الطويلة للغاية على الكورنيش. ذكرى كل يوم جميل قضيناه سوياً و كل ليلة طويلة قضيتها بدون أن أتحدث إليك. حبيبى عام مضى و 365 ذكرى كتبتها و مشاعر كثيرة لم أستطع أن أقولها لكنى كتبتها هنا. ستجد مفتاحان لهذا القفل الصغير. من فضلك إعطنى أحدهم و إبق الآخر معك. إن هذه الأجندة ستبقى شاهداً على حبنا الذى سيبقى أبداً خالداً. إنى لا أطيق صبراُ لكى أتصفح هذه الذكريات معك بعد عشرون عاماً من الآن، فى نفس المكان الجميل الذى أعلم إنك ستأخذنى إليه اليوم إحتفالاً بهذه المناسبة.
لم يقل شادى شيئاً لفترة من الوقت ثم نظر إلى ميريام و قال لها:
- إن هذه هى أغلى هدية فى حياتى لا يفوقها سواك، كم أود لو أضمك الآن بين يدى.
أخفت ميريام وجهها مرة أخرى بين صفحات القائمة فى خجل و رفعت عينيها قليلاً عن القائمة و إبتسمت، لم تقل شيئاً لكنها كانت سعيدة، فهى تجد فى شادى كل ما تتمنى، متأكدة إنه سوف يملأ حياتها إلى النهاية. هو يحبها كثيراً، شديد الطموح و الأدب و متحمل لمسئوليات كثيرة. إنه غاية ما تتمناه فتاة بسيطة الأحلام مثلها.
مرت ساعة و قد قاربا على الإنتهاء من غذائهما، نظر شادى إلى الأطباق الفارغة و قال لها فى جدية:
- ميريام، هناك موضوع ما أود التحدث فيه إليك مرة أخيرة.
- خيراً؟
سكت شادى قليلاً فأشاحت ميريام بوجهها نحو البحر. قال شادى:
- أنا أعلم رأيك به جيداً لقد تحدثنا فيه كثيراً و لكنى أعرف تماماً ما هو الصالح لنا.
- بل الصالح لك أنت.
- أنت تعلمين كم هو صعب أن نبدأ حياتنا هنا، فأنا بالكاد أدخر ما يكفى لمصاريفنا.
- لكنى سأبقى بجانبك هنا، سأكون معك دائماً لأشجعك و أدفعك للأمام.
- أنا لا أرى لنا مستقبلاً هنا، إن فرصتنا لحياة كريمة و سهلة بالخارج أفضل بكثير من هنا.
- لكننا سنبتعد عن أهلنا و أصدقائنا و أماكننا المفضلة، هل نضحى بكل ذلك؟
- و ما فائدة ذلك كله بدون بيت واسع جميل و عمل مناسب و حياة كريمة و مستقرة فى أمان؟
- لقد خلقت الحياة لكى نتعب بها و نشعر بقيمة عملنا و عرقنا.
- لكنى لدى طموح كبير فى عملى و لدى طموح أكبر لبيتى و أبنائى.
- تقصد بيتنا و أبنائنا!
- (فى حرج) نعم هو كذلك.
- هل ترضى لأبنائنا أن يكبروا فى بلاد غريبة فى مجتمع غريب؟ سيتعبون كثيراً فهم لن يستطيعوا أن يندمجوا مع ثقافتين متضادتين. إما سيصبحون مثلهم، غرباء عنا تماماً، أو مثلنا، غرباء عنهم تماماً. و فى الحالتين سيعانون الكثير أو سنعانى نحن الكثير.
- إذن فلأذهب وحدى، هل ستنتظرينى؟
- و هل ستعود أنت؟
- ينبغى أنت تأتى أنت و تشاهدى، فكل شىء هناك جميل.
- هل ذهبت أنت من قبل؟
- الجميع يحكون.
- إنهم يتعبون كثيراً.
- و ينالون ما يقصدون.
- لكنهم لا يرجعون، أنا لا أتصور الحياة بعيداً عن كل ما أحببت.
- إذن لن تتركينى أذهب وحدى؟
- لم لا تعطينا فرصة هنا أولاً و سأكون معك فى كل خطوة.
- لكن طموحى بالفعل أكبر من ذلك بكثير.
- لكن كل ما أريده هو أنت، إن أحلامى أبسط من ذلك بكثير بل إن أحلامى هى بين يدى بالفعل الآن.
- إذن تعالى معى.
- هل طموحك أهم منا؟ هل تعلم ما يحدث للسمكة إن أخرجتها من الماء؟ أنا لا أستطيع العيش بعيداً عن حياتى هنا طالما إستطعت البقاء و الكفاح فيها.
- هل هذا هو قرارك الأخير؟
- هل هذا هو قرارك أنت الأخير؟


أطرق شادى برأسه فى الأرض ثم نظر إلى وجهها فوجدها تبكى فى هدوء. عيونها تلمع و دموعها تسيل على وجنتيها. دفن شادى يديه بين كفيه لمدة طويلة، إنه فى صراع عنيف، بين حلم جميل فى يديه و حلم آخر يسعى إليه. عليه أن يختار ما سوف يجعلهما سعيدان. إن كل إختيار منهم سيرسم ملامح مختلفة لحياته كلها. هل يضحى بطموح عمره ؟ هل سيستطيع أن يجعلها سعيدة؟ ربما نعم، ربما لا. هل سيكون هو سعيداً؟ لا يعلم. هى طموحها بسيط لكنه جميل. هل يضحى بحبيبته؟ هل سيجعله نجاحه بالخارج سعيداً؟ هل يجد حبيبته من جديد إن تركها الآن؟ لا يعلم. لم يكن الإختيار بسيطاً لكنه كان قد حدد إختياره مسبقاً قبل هذا اليوم.

لم يعد يسمع صوتها، لم يعد يسمع صوت الموسيقى، بدأ يشعر بالبرودة قليلاً و شعر أيضاً بالظلام من حوله. رفع شادى يديه من أمام عينيه و نظر فلم يجدها أمامه. لكنه وجد نادلاً يسأله بأدب:
- هل تشرب شيئاً يا باشا؟
لقد تغير كل شىء من حوله تماماً، لقد إختفت ميريام، لقد إختفت الشمس تماماً و حل محلها الظلام. لم يعد الوقت نهاراً صيفاً بل صار ليلاً شتاءاً. نظر شادى من خلال النافذة. رباه لقد تغير كل شىء من حوله. لم تعد هناك أى من الكبائن، لقد تم إزالتها جميعاً. يستطيع أن يرى كوبرى ستانلى الجديد الذى يمتد فوق المياه، تحمل معالمه نفس معالم كوبرى المنتزه الشهير. من داخل الكازينو ترى أضواء الكشافات الملونة تضىء أسفل الكوبرى بألوان متعددة ترسم لوحة فنية جميلة مع أمواج البحر الهائجة. نظر شادى حوله لم يتغير الكازينو نفسه كثيراً، مازال كل شىء كما هو، محتفظاً برونقه و أناقته و عبق ذكرياته.

سمع صوتاً ينقر على الزجاج نظر إليه فوجد أمطاراً غزيرة تحجب الرؤية. أطال النظر فى النافذة فوجد إنعكاس صورته على الزجاج، كم من سنوات طويلة مريرة نالت منه، لقد خط الشيب فوديه و رسم الزمن خطوطه على وجهه و جبينه. أكثر من عشرين عاماً مضت على لقائه بميريام، لقد كان لقائه الأخير بها. رفضت هى مقابلته بعد هذا اليوم. لم تكن تعلم إن أوراقه جاهزة للسفر. سافر هو يسعى لتحقيق حلمه لم يضع لحظة واحدة. كيف ضحى بحبها له؟ كيف تركها بهذه السهولة؟ لا يدرى. كما لو كان حلماً بعيداً و قد إنطمست معالمه كلها. لقد توالت الأحداث سريعاً بعدها. حقاً كما يقولون إن الغربة تسرق العمر. لقد سعى للماجيستير و الدكتوراه و فترات طويلة من العمل لكى ينهي مصاريف دراسته. طالما فكر بها، ماذا فعلت بعده؟ هل مازالت تذكره؟ هل تزوجت؟ لم يكن مستعداً بعد للعودة فهو لم يدخر مالاً بعد كل سنوات الدراسة هذه. كما لم يكن لديه فرصة ليقابل فتاة مناسبة. لقد سخّر كل وقته للدراسة، كما لو كانت هى سبيله لنسيان حبيبته. كلما تعرّف إلى أحد، صار يقارن بينهما و كانت الغلبة دائماً لها وحدها. لم يجد روحاً بهذا النقاء، لم يجد أحداً يحبه كل هذا الحب. هل ينتقم القدر منه؟ إذن ليترك الأمر برمته للقدر. لقد مضى يعمل سنين طويلة للغاية و نال كل ما طمح إليه من نجاح علمى و عملى و صار لديه منزلاً رائعاً و سيارة تخلب الألباب. صار الجميع يقدرونه و يحترمونه لكنه أحس أن أهم ما يحتاجه ينقصه. إنه برغم كل ذلك ليس سعيداً. لقد علمته الحياة أنه يجب أن يضحى بشىء ليحصل على شىء آخر كما علمته أن الإنسان مهما نجح و نال فى حياته فهو لا يرضى بما له. بل دائماً يريد المزيد. لكنه بالفعل كان لا يستطيع تذوق حلاوة نجاحه بدون مشاركتها هى وحدها له. هنا فقط أدرك إنه لا فائدة من كل ما يعمله، هنا فقط بدأ يحس بالتعب و الإحتياج إلى الراحة و التوقف حتى يحدد ماذا يريد أن يفعل.

الزمان: شتاء 2007
المكان: عروس البحر المتوسط

لم تمض عليه بضعة أيام حتى كان فى الإسكندرية. لم يسأل عنها و لم يقل له أحد شيئاً. كانت زيارته الأولى من عشرين عاماً. توجه فى تلك الليلة الممطرة إلى ذات الكازينو حيث جلس يسترجع ذكريات لقاء آخر يوم بينهما و كانت بيده تلك الأجندة يتصفحها. دفن وجهه بين كفيه يستعيد ذكرى هذا اليوم كما لو كان بالأمس و قد عاونته الأجندة على تذكر أدق التفاصيل حتى سمع صوت النادل فجأة يكرر مرة أخرى فى أدب:
- هل يأمر الباشا بشىء؟
- شوكولاتة ساخنة من فضلك.
نظر شادى بعيداً إلى أحد الأركان التى يفصله عنها الزجاج فرأى عائلة صغيرة تتجاذب أطراف الحديث. كانوا ثلاثة أفراد، يبدون فرحين، يحتفلون بمناسبة ما فهناك كعكة ما و شموع كثيرة. الرجل يشبهه كثيراً لكنه ليس هو. فالرجل أرفع كثيراً و ثيابه أقل أناقة منه و يبدو عليه الهزال و التعب، لكنه يبدو أكثر سعادة. عجباً إنه بالفعل يحمل ملامح تشبهه إلى حد كبير. أما عن السيدة فظهرها له، شعرها رمادى و ترتدى فستاناً أسود اللون، ليس أنيقاً لكنه يليق بها و يبدو كما لو كان مفصلاً لها. تتحرك فى خفة أثناء كلامها فتبدو عليها الحيوية. أما عن الفتاة، فهو لا يراها، السيدة تحجبها تماماً. ظل شادى يراقبهم من بعيد و لا يدرى لماذا شغف بهم. قامت السيدة و مضت بعيداً، إنه يرى الفتاة بوضوح، إنها ليست فتاة، إنها ميريام، نعم إنها هى، لم تتغير مطلقاً. بالطبع غيرّت طريقة تصفيف شعرها، لكنها هى، وجهها الجميل، ضحكتها الصافية، لا يسمعها عبر الزجاج لكنه يراها. حتى طريقتها فى هز أكتافها من حين لآخر لم تتغير. و من هذا الرجل الذى تحدثه بكل إهتمام ؟ هل ينهض الآن ليتحدث معها؟ لا، لقد حصل بطريقة ما على رقمها من عدة أيام، فليتصل بها. رفع هاتفه و طلب رقمها لعلها ترد. هناك ما يجذب إنتباهها بالفعل، إنها تبحث عن شىء ما فوق المنضدة، وجدته بعيداً أمامها، إنها ترد الآن، يسمع صوتها تقول:
- ألو
- ألو ميريام؟
- نعم، من المتحدث؟
- أنا شادى، ألا تذكرى صوتى؟
- عفواً لا أتذكر لكن صوتك مألوف و إسمك يشبه إسم شخص قريب لى.
قامت ميريام من مقعدها و إتجهت بالقرب من الزجاج فرآها بوضوح أكثر، دقّ قلبه بشدة. لقد فجرّت رؤيته لها كل مشاعره التى باتت مدفونة طوال عشرين عاماً. إنه لغريب أن الزمن لم يمسّها بعلاماته كما فعل به. إنها تبدو كما لو كانت نفس الفتاة التى تركها من عشرين عاماً.
- ربما الزمن قد أنساكى فلم نتحدث من عشرين عاماً
ضحكت ميريام ضحكة صافية و قالت:
- لم أكن أعيش من عشرين عاماً بعد.
- لكى كل الحق أن تمحى كل ذكرى لى بعد ما حدث بيننا فأنا لم أكن أعيش طوال العشرين عاماً الماضية بسبب ما حدث.
توقفت الفتاة عن الحديث و بدأت تتوترمن كلامه فقال:
- إنتظرى أرجوكى إسمعى كلامى فأنا إنتظرت عشرين عاماً لأقول لك هذا الكلام.
رأت ميريام شادى و هو يشير إليها من خلال الزجاج فتسمّرت فى مكانها لكنها لم تغلق الخط.
ألصق شادى يده بالزجاج و واصل كلامه عبر الهاتف، فلم يكن يجرؤ أن يحدثها وجهاً لوجه:
- لقد أضعت عمرى أبحث عن السعادة فى المكان الخطأ و كثيراً ما راودتنى أحلام تجمعنا فى بيت صغير و أسرة جميلة. ربما ليس لدينا قصراً عظيماً أو سيارة كبيرة فى هذا الحلم لكننا سعداء.
إقتربت ميريام أكثر من الزجاج و لامست يديها الزجاج الفاصل بين يديهما و شادى يواصل:
- فى هذا الحلم ربما لم أحصل على لقب دكتور و ليس لدى أموالاً طائلة لكن وجودك بجانبى يعطينى الدافع و الثقة كل يوم لأواصله برضاء شديد.
- أنظرى إلى الآن. إنى مستعد لأن أضحى بكل ما لى من أموال و مناصب و ألقاب و عقارات لكى أحظى بلمسة حب و إهتمام من يديك. فهل تقبلى هذا؟
لم تنطق ميريام بشىء بل سالت دموعها على الزجاج. و جاءت السيدة ذات الشعر الرمادى، الآن فقط يراها و بدا وجهها مألوف إلى حد رهيب. رأى إسمه على شفتيها، أخذت الهاتف من الفتاة و قالت:
- شادى، ماذا تفعل هنا؟
نقل شادى نظره بينهما و بين الرجل الذى كان جالساً لقد إختفى الآن! ألقى شادى هاتفه و جرى بعيداً إلى الخارج و هو يصرخ:
- أنا لا أفهم شيئاً أنا لا أفهم شيئاً.

فجأة أظلمت الدنيا أمامه و لم يعد يرى شيئاً أو يفهم شيئاً فأخذ يصرخ فى شدة لكن صراخه لم يتجاوز حلقه حتى صحا فجأة من النوم لقد كان كابوساً مخيفاً. كان الظلام حالكاً فأضاء نور الأباجورة. أدار الكاسيت الصغير بجواره ليسمع أنغام عمر خيرت ثم أخرج من الكومودينو أجندة و فتح قفلها بمفتاح صغير و أخذ يكتب فيها:
اليوم إحتفلنا أنا وميريام بعيد ميلاد إبنتنا العشرين فى نفس المكان الذى أخذت فيه أهم قرارات حياتى ألا و هو إختيار حبيبتى ميريام و التضحية بحلم الهجرة للخارج. اليوم فقط أدركت أننى لم أضحى بالكثير، فوجودى بجوار زوجتى الحبيبة و إبنتنا ميريام الصغيرة التى تشبهها إلى حد عجيب جعل منى شخصاً أفضل بل أسعد مخلوقات هذا الكوكب التعيس فيكفى أنك يا حبيبتى مازلت تحبينى بعد كل هذه الأعوام. إنى سعيد للغاية.

أغلق شادى أجندته و أطفأ الأباجورة ثم قبّل زوجته فوق شعرها الرمادى و أسند رأسه على يدها و راح فى سبات عميق.

السبت، مايو ١٢، ٢٠٠٧

وردة حمرا


قصة قصيرة بقلم ميشيل حبيب

إقتربت الساعة من السادسة صباحاً فى تلك البقعة الراقية من الإسكندرية. كان هناك عدداً من الفيلات التى تملأ هذا الشارع. السيارات الفاخرة و الأشجار العالية تطل من خلف أسوارها و بواباتها السوداء. بعض من الحراس يقضون معظم وقتهم بجوار تلك البوابات يتفحصون كل من يقترب من أبوابهم، و قد تسمع كلاب الحراسة تزوم محذرة أى إنسان تسول له نفسه أن يفكر فى المرور بجوار أسوارهم. بدأت بعض الطيور التى تعيش فى حدائق هذه الفيلات تصحو من نومها فتسمع صوت إحداها كل بضعة دقائق لكنك تكاد تجزم إنه ما من إنسان قد صحا بعد فى المنطقة بأسرها.

قطع سكون هذا الشارع فجأة صوت دراجة نارية آتية من بعيد بسرعة عالية. كانت الدراجة سوداء عالية من نوع هارلى و يقودها رجل متوسط الحجم يرتدى خوذة واقية تخفى وجهه تماماً. بدأ بعض حراس الفيلات يتململون فى نومهم بينما توقفت الدراجة بحدة أمام إحدى الفيلات فى منتصف الشارع مواجهة البوابة السوداء. أخرج الرجل من سترته الجلدية شيئاً ما و قذفه بشدة و دقة فى إتجاه أحد شرفات الفيلا. ثم إنتظر بضع ثوان حتى أضاء نور هذه الشرفة، ثم عاد إلى دراجته و إنطلق مجدداً من حيث أتى. فتحت فتاة ما باب الشرفة فى سرعة و نظرت بعيداً لترى الدراجة النارية تمضى إلى نهاية الشارع بينما نظر الرجل إليها للحظة ثم أعاد نظره للطريق و أدار مقود الدراجة مسرعاً خارج الشارع.

كانت الفتاة و تدعى سارة ترتدى ملابس ثقيلة للغاية و تغطى جسدها كله حتى رأسها – خوفاً من برودة الهواء فى هذا الوقت من النهار. نظرت سارة إلى الشرفة فوجدت وردة بلدية حمراء فى عودها أشواك و مربوطة بحجرصغير فى منتصفها. إلتقطتها فى سرعة ثم عادت إلى الداخل و أغلقت الشرفة بإحكام و أطفأت النور. جلست سارة على فراشها بعد أن خلعت غطاء رأسها و الروب الصوف، ثم شدّت غطاء الفراش عليها و إحتضنته فى قوة.

أضاءت سارة أباجورة بجوار فراشها ثم إلتقطت صورة قديمة لها مع أصدقاء كليتها من عدة سنوات. نقلت نظرها بين الصورة و مرآتها الصغيرة، لقد تغيرت كثيراً عن الماضى. كانت ملامحها رقيقة لكن جسدها هزيل، شعرها ناعم طويل لكن خفيف متساقط، بشرتها بيضاء لكن شاحبة. أعادت سارة الصورة إلى مكانها و فتحت أحد أدراج الكومودينو و أخرجت صندوقاً صغيراً و كتاباً مقدساً وضعتهما بجوارها. إلتقطت سارة الوردة بحرص ثم فكت رباطها فسقطت منها ورقة صغيرة بها حروف قليلة و رقم – 1 بط 5- 7 . قرأت سارة الورقة ثم فتحت كتابها لتقرأ مقطعاً صغيراً منه. أخذت تتأمل قليلاً فيما قرأته و رسمت إبتسامة ضعيفة على شفتيها ثم فتحت الصندوق الصغير الذى يحتوى على قصاصات أوراق كثيرة، وضعت الورقة به و أعادته لمكانه ثم أطفأت النور و إحتضنت الوردة و إستسلمت للنوم مرة أخرى.

كانت الوقت قد إقترب من الظهر عندما صحت سارة من النوم مرة أخرى على صوت صلاة الجمعة فى الجامع القريب من الفيلا. تململت سارة فى فراشها قليلاً و قد تسلل ضوء الشمس لعينيها، لقد فتحت والدتها الشرفة مؤكداً. كانت لا تزال قابضة بيدها على الوردة فنظرت إليها شاردة... ترى من يفعل هذا؟ لقد دأب على إرسال هذه الوردة لها كل يوم جمعة من كل أسبوع فى تمام السادسة صباحاً. لم ينقطع و لا أسبوعاً واحداً و لم يتأخر و لا دقيقة واحدة فى الشهور الستة الماضية. هل هو معجب بها؟ هذا ليس ممكناً لأنه لم يحاول حتى التقرب إليها أو التعرف إليها. إنه يخفى وجهه وراء هذه الخوذة. لم يتوقف مرة، دائماً ينظر لها من وراء زجاج خوذته الداكنة ثم ينطلق فى طريقه. و ماذا عن هذه القصاصات التى يبعث بها، لم تفهم فى البداية معناها لكنها أدركت إن هذه الحروف و الأرقام تشير لآيات. إنها تحتفظ بكل هذه القصاصات، العشرات منها، فى صندوقها الصغير. إنه يخاطبها من خلالها، إنها تشعر بحواره معها، كل آية يشير إليها تعزّى نفسها و تهوّن عليها كربتها. لكن كيف لا يعرفها و لكن يعلم بكربتها و آلامها؟ و لماذا يهتم بها و يهتم لهمّها؟ كيف يتواصل معها هكذا؟ من هو؟

لقد تركها حبيبها و فرّ منها لعدم قدرته على مشاركتها آلامها. لم تحزن هى كثيراً فليس كل إنسان يستطيع أن يحتمل كل هذا. إنها لا تلومه كثيراً. لقد تركت هى أيضاً أصدقاءها فلم تعد تحتمل نظرات الشفقة فى أعينهم. لقد صارت عصبية للغاية فلم يعد يحتملها سوى والدتها و صديقتها الوحيدة المقربة منها التى إحتملت همّها و مزاجها الحاد. فمن هو إذن الذى يهتم كل هذا الإهتمام بإنسانة مثلها فلا يحتملها أحد لماذا يحتملها هو؟ كل هذه الأسئلة دارت فى رأسها و ظهر على وجهها شبح إبتسامة، فبرغم كل ما تمر به لكنها شعرت بشعور غريب لم تشعر به من فترة طويلة، جعلها تنسى للحظة ما تمر به.

لم يكن يوم الجمعة هو أحب الأيام لسارة حيث كان موعدها الأسبوعى للذهاب إلى المستشفى مساءاً لتلقى علاجها. كانت سارة تجلس فى حجرتها بالمستشفى حيث تتلقى علاجها و بجوارها والدتها و طبيبها المعالج.
نظرت سارة إلى وجه الطبيب، هناك شىء ما فى وجه هذا الطبيب مألوفاً لديها، شىء ما فى نظرته، شىء ما فى إبتسامته المعزية تطمئنها. لكنها لم تستطع أبداً أن تكشف هذا السر طوال الشهور الماضية. طالما حدّثها الطبيب عن الأمل فى العلاج. إنه يعلم جيداً إن العلاج الكيميائى الذى يشفيها ببطء هو نفسه يقضى عليها ببطء. إنه يعلم جيداً كم هو مؤلم لجسدها و كم هو مؤلم لروحها. و مع ذلك لا يكف عن الحديث عن الأمل، لا يكف عن الحديث عن الأبحاث التى أثبتت أن الحب و الأمل وحدهما قد يقضيان على المرض. أحياناً كانت تشعر أن الطبيب هو الشخص الغامض وراء الورود الحمراء لأنها بدأت تتلقاها مع بداية العلاج من شهور كثيرة، لكنها تعلم أنه ليس هو، فهو متزوج و لديه أولاد فى مثل سنها أو أكبر و حديث الممرضات عنه يدل على كونه رجلاً مثالياً.
أغمضت سارة عينيها بينما تدفق العلاج فى عروقها و تدفقت كلمات الطبيب فى أذنيها بينما أمسكت والدتها بيدها الأخرى فى حنان. أخذت تفكرهل يمكن بالفعل أن يقضى الحب على المرض؟

مضى الأسبوع فى سرعة و جاءت ليلة الخميس و كانت سارة تنتوى أن تكشف عن شخصية هذا الشخص الغامض، فهى لم تعد تحتمل الغموض. لقد كانت كل شكوكها تحوم حول شخص واحد، إنه الوحيد الذى قد يقدم على هذا الفعل.إسمه باسم. لقد تعرفت إليه من فترة و قد أحبها كثيراً لكنها لم تحبه، لم تشعر به. لقد إختفى وقتها من حياتها فى سرعة كما ظهر. و لم تكن على إتصال به و إن كانت تعلم من صديقاتها إنه بقى يفكر بها و يذكرها أمامهم لفترة.
سوف تنتظره فى الصباح الباكر و تواجهه عندما يصل لبيتها حتى تتأكد من شخصيته. مضت سارة مبكرة هذه الليلة إلى فراشها لكى تصحو فى الخامسة و دخلت فى ثبات عميق.

كان الجو شديد البرودة، عندما أشارت عقارب الساعة للسادسة تماماً. كان يهم بإلقاء الوردة على شرفتها عندما إنطلقت هى من وراء قضبان البوابة. و لدهشته الشديدة تجمّد فى مكانه، فلم يكن يتوقع أن تظهر هى فى تلك اللحظة. كانت ترتدى ملابس ثقيلة و تغطى رأسها و رقبتها، إنها تعلم جيداً إن البرد قد يقضى عليها فعلاجها يضعف مناعتها بشدة. و كان يعلم هو ذلك أيضاً فقفز من فوق دراجته البخارية و خلع سترته الجلدية و أحاطها بها كما لو كان يحميها من عدو خفى لا يراه. لم تمنعه هى فقد كانت مازالت تشعر بالبرد برغم ملابسها الثقيلة.
وقفت أمامه و قالت بصوت ضعيف: باسم؟

لم يسمعها هو لكنه قرأ إسمه على شفتيها فإبتسم و رفع الزجاج الداكن عن خوذته ليكشف عن عينيه. نعم إنه هو فعلاً. دارت مئات الأسئلة فى رأسها، لكنها لم تقل شيئاً حتى دعاها للركوب معه. لم تفكر كثيراً، إنتظرت حتى إستقر على دراجته ثم قفزت خلفه و أحاطت خصره بيديها الواهنتين. أعطاها باسم خوذة أخرى لترتديها و كان شعرها مازال يسترسل طويلاً خارج الخوذة. أنزل باسم الزجاج على خوذته و إنطلق فى الشارع حتى وصل إلى نهايته. لم تكن هناك سيارة واحدة فى شارع أبو قير – الشارع الرئيسى بقلب الإسكندرية - فإنطلق باسم مخترقاً الشارع. لم تسأله سارة عن وجهته لكنها أدركت من مساره فى شارع سوريا إلى أين هو ذاهب.
لم تمضى أكثر من دقيقتين حتى وصلا إلى كورنيش البحر و مضى باسم منطلقاً بأقصى سرعة على الكورنيش محاذياً البحر – يدور معه فى ملفاته. كانت سارة تتشبث به بشدّة ليس فقط لسرعته و لكن لإحساسها بالبرودة الشديدة تتسلل إليها. توقف باسم بعد فترة عند كوبرى ستانلى، بقت سارة على الدراجة بينما نزل باسم و جلس على الرصيف مواجهاً لها. مدت سارة يدها لترفع خوذته و ترى عينيه، و فعل هو المثل بها. كان مبتسماً، لم ترى فمه لكنها أحست بالإبتسامة فى عينيه، لقد كانت إبتسامته الصافية هذه هى أكثر ما يجذبها إليه فهى تشعرها ببساطته و طيبته. نطق بكلمة لم تسمعها هى من شدة الرياح لكنها فهمتها و نظرت بعيداً مبتسمة، كانت مرآة الدراجة أمامها فرأت نفسها بها، هزيلة ضعيفة شاحبة... فعادت تنظر إليه مجدداً و سالت الدموع من عينيها بدون أن تدرى.

قام باسم و مسح الدموع عن عينيها و ركب الدراجة مرة أخرى منطلقاً بها. لم تتشبث به سارة هذه المرة و لكنها فردت يديها عن آخرها و أغمضت عينيها، لقد كانت تشعر إنها سابحة فى الهواء، لم تكن تتوقع أن يحبها أحد كل هذا الحب، و إن لم تكن تحبه هى لكنها هائمة بحبه لها الغير محدود الغير مشروط. فجأة لم تعد سارة تشعر بما حولها، إنها تطيرو شعرها يطير ورائها، إنها تهوى من مكان عالى و لا ترى شيئاً و قلبها يدق بعنف، تصرخ لكن صوتها لا يغادر حنجرتها. شىء ما يدق بشدة بجوارها، تجد نفسها فجأة نائمة على فراشها فتقوم مفزوعة لتجد ساعتها تدق السادسة. تجرى إلى شرفتها فتجد الدراجة تسرع مغادرة و الوردة مستقرة عند قدميها. كان قلبها مازال يدق كما لو لم يكن حلماً، كانت تتمنى أن يكون حقيقة لكنه كان أجمل من أن يتحقق.


مرت عدة شهور، كانت الورود ترتمى و الآيات تملأ الصندوق الصغير و التعزية و الحب يفيضان فى قلبها. مازال شخصه غامض لكن مازال حبه يملأ قلبها فهو الشخص الوحيد الذى تجاوز الحياة الدنيا و لمس روحها بأياته و وروده، لم يكن يريد منها شيئاً سوى إسعاد قلبها و تعزيتها فى محنتها، أى حب مثل هذا؟

يوم الجمعة، موعد زيارتها للمستشفى، دخل الطبيب عليها منفعلاً حاملاً نتائج تحاليلها الأخيرة. قفزت سارة فزعة من مكانها لرؤيتها إنفعال الطبيب الذى طمأنها و قال لها إن هناك تقدم هائل فى علاجها و إن جلستها القادمة سوف تكون الأخيرة. حدّقت سارة فى عينيه بشدة و قفزت لتحتضنه و تشكره ثم تراجعت فى حياء لترى إبتسامة صافية على وجهه لم تراها من قبل حتى هذا اليوم.

منذ ذلك اليوم و لمدة أربع أسابيع لم يزرها صديقها الخفى. لماذا توقف عن إرسال الورود لها؟ هل لأنها تعافت و لم تعد تحتاجه؟ إنها تحتاجه الآن أكثر من أى وقت مضى لكى تشاركه فرحتها بالشفاء. إنها لن تشعر بطعم الحياة مرة أخرى بدونه بجوارها. ثم إنها مازالت لا تعرف كيف عرف هو بشفائها؟

كان هذا هو الأسبوع الرابع بدونه، لقد نامت تلك الليلة و هى تحتضن آخر وردة أرسلها. صحت من نومها فى الخامسة صباحاً و قررت أن تقوم لتنتظره أمام بيتها. أضاءت نور حجرتها فوجدت فجأة بقعة دموية على قميص نومها الأبيض. إنتفضت سارة من فراشها و إنطلقت إلى الحمام لتتفحص مصدر البقعة، لا توجد أى أثار على فمها أو أنفها، رباه، هل عاد المرض مرة أخرى؟ من أين أتت إذن؟ آه إن كفها يؤلمها بشدة! لقد جرحت أشواك الوردة يدها إذن. لحظة، لقد تذكرت شيئاً، هذه الإبتسامة الصافية، باسم، الطبيب، كيف لم ألحظ هذا؟ إنها نفس الإبتسامة! كيف هذا؟ نعم، أنا أتذكر الآن، لقد ذكر باسم من قبل أن والده طبيب بمركز الأورام. كيف لم ألحظ الشبه بينهما؟ جرت سارة إلى كتيب مشروع العلاج و قلّبت الصفحات فى سرعة شديدة حتى وجدت إسم الطبيب، إنه نفس إسم العائلة. دق قلبها بشدة فأسرعت ترتدى ملابسها و جرت إلى الشارع و كانت الساعة تدق السادسة تماماً عندما وجدته أمامها راكباً درّاجته النارية و قد مد يده بخطاب لها، أخذته منه و قد ألجمتها المفاجأة. فتحته فى سرعة بينما مضى هو فى طريقه، قرأته فى سرعة و بصوت عالى لكى يسمعها:

من غير حدود
من غير قيود
من غير كلام
من غير شروط
مش عايزك تحبينى
لكن بس خلينى
أفضل أحبّك
لغاية ما أموت
1كو 13 – 8

لم تجد كلمات تعبر بها فصارت تعيد كلماته و هتفت بإسمه بصوت عالى، فتوقف فجأة. بدأت هى تجرى حتى أدركته و قفزت فوق الدراجة النارية. أمسك بيدها و أخرج بيده الأخرى منديلاً ليمسح جرح يدها. نظر إليها فرفعت الزجاج الداكن من خوذته فرأت إبتسامته الصافية. أحاطت خصره بيديها فأخرج خوذة ثانية، وضعتها فوق رأسها و لكن مازال شعرها مسترسلاً على كتفيها. إنطلق بها إلى كورنيش البحر فى الإسكندرية فى السادسة صباحاً من يوم الجمعة.
-----------------------------
الإسكندرية فى 13 - 5- 2007
Thanks to my muse

الثلاثاء، مايو ٠٨، ٢٠٠٧

بالقلب خليني

First Dance Song for my Dear Friends Margo and Daniel in their Wedding on Thursday - May 3rd, 2007.
They danced very well to the music by the way :)

إضغط هذه العلامة لتحميل الموسيقى

كلمات: نهى نجم ونزار فرنسيس
الحان: جان ماري رياشي

بالقلب خليني ع ايديك غفيني
يا حبيب الروح بالروح خبيني
مشتاقه اغمرني احملني طيرني
بساحات عشقانه الليل سهرني

الليله خدني بهالحلم وعلي
الليله غير بحبك ما تقلي
نسيني الكون و قلي ضلي
ضلي ضلي ضلي

ولو كان كل الحب بعينينا
ولو داب شمع الليل حوالينا
قلي الدنيا لعبه بايدينا
حبيبي حبيبي حبيبي

معقول شو بحبك عم قول يا قلبك
صحيح شو غريب احساسي بحبك

شو كان قلبي لولاك يا حبي
كان شوق وهموم و هالعمر كان غربه

الليله خدني بهالحلم وعلي
الليله غير بحبك ما تقلي
نسيني الكون وقلي ضلي
ضلي ضلي ضلي

ولو كان كل الحب بعينينا
ولو داب شمع الليل حوالينا
قلي الدنيا لعبه بايدينا
حبيبي حبيبي حبيبي

بالقلب
يا حبيب الروح بالروح خبيني
حبيبي