السبت، مارس ٢٤، ٢٠٠٧

المكالمة الأخيرة


إضغط هذه العلامة لتحميل الموسيقى

قصة قصيرة بقلم ميشيل حبيب - 24 مارس 2007

لم تكن هى حبه الأول، لقد أحب الكثير لكن كثيراً ما عانده القدر.لكنها كانت أقرب ما كان لفتاة أحلامه التى طالما بحث عنها. أحبها من طرف واحد و لم تكن تستجيب إطلاقاً لمحاولاته اللامتناهية للتقرّب منها حتى مضى بعيداً عنها و لم يعد يذكرها أمام أصدقاءه فتوقع الجميع بما فيهم هى إنه نسيها تماماً.

فى أطراف مصر الجديدة، جلس الأصدقاء الثلاثة، ميزو، فرفر و نوسة فى تلك الحديقة الواسعة المليئة بالأشجار و الورود. كان الوقت قد جاوز العصر بقليل و نسمات الهواء تحمل رائحة الياسمين العطرة معلنة بداية فصل الربيع.
كان فرفر و نوسة يتبادلان النكات الخفيفة و يتضاحكان بصوت عالى ، لم يكن لحديثهم أى معنى أو ترابط حتى لتظن إنهما مخبولان، بينما جلس ميزو منزوياً منطوياً على نفسه يبدو كما لو كان يحمل هماَ كبيراً. كان الأصدقاء الثلاثة فى ريعان شبابهم. بينما بدا ميزو أكبر قليلاً فقد أضاف الحزن بعض الأعوام لعمره الحقيقى و إنحناءاَ لظهره و لاحت بعض الخطوط البيضاء على رأسه معلنة إنشغاله بأمور كثيرة طقطقت شعره.

أخذ ميزو يتأمل موبايله كما لو كان ينتظر مكالمة مهمة. ثم وضعه بعيداً فى ضيق. فقال له فرفر ضاحكاً:
- هى لسه متكلمتش؟
- (فى حدة) هى مين دى؟
- (ضاحكا بخبثً) معرفش بقى بس طالما إنت قلقان كده يبقى أكيد مستنى تليفون مهم
قالت نوسة فى ضحك و غمزت غمزتين:
- إعترف يا ميزو – مين هيكلمك؟
- (فى ملل) أبداً ده بس بيتهيألى حد بيرن
أضاء الموبايل للحظة مع صوت ضعيف فقفز ميزو من مقعده حتى كاد يسقط من مكانه فضحك الأصدقاء بينما نظر هو إلى الموبايل فوجد البطارية تعطى إشارة إنها على وشك النفاذ.
إنفجر فرفر فى الضحك قائلاً:
- البطارية بترنلك تانى.
بينما قالت نوسة فى جدية:
- متكلمها يا ميزو!
- (ميزو فى حدة) هى مين دى؟
- (نوسة ضاحكة) البطارية، يمكن عايزاك فى شاحن
إرتفع صوت الموبايل برنته المميزه فى هذه اللحظة فسكت الجميع معلقين أعينهم بالموبايل. ثم نظر ميزو فى حدة إلى فرفر فلم يكن سوى فرفر يرن عليه.
قالت له نوسة فى إهتمام:
- مين يا ميزو؟
إنقطعت الرنة فجأة بينما كان فرفر مازال يضحك حتى سمع ميزو يرد على الموبايل و يقول:
- ألو بتضحك على إيه يا فرفر؟
إنتبه فرفر و نوسة لما فعله ميزو فإنقطع فرفر عن الضحك و بدأته نوسة. بدأ ميزو يستعد للفرار بين أشجار الحديقة عندما هب فرفر من مقعده للحظة ثم جلس ساكناً.

عاد الأصدقاء الثلاثة لما كان يفعلونه كما لو أن شيئاً لم يكن. و أخذ ميزو ينظر لموبايله كل بضعة دقائق و يتأكد إنه لم يتلق أى رسائل أو رنات ثم يطمئن أن صوت الرنة عال بما يكفى حتى يسمعه عندما يرن.

أخذت نوسة تحكى لفرفر بصوت عال عن آخر حلقة من المسلسل الكوميدى الذى تتابعه على التليفزيون و أخذ فرفر يعلق بقفشاته الضاحكة مشتتاً نوسة بين كل مشهد و الآخر فتعود تحكى من البداية، بينما سرح ميزو بخياله قليلاً و رفع رأسه للأعلى متأملاً تشكيلات السحاب محاولاً تخيل ما يمكن أن يرسمه هذا التكوين. إنه يشبه مجموعة من الأمواج وسط البحر و فوقها بعض الطيور تطير بين السحاب. يا له من تشبيه مجنون، بالطبع السحاب يبدو كالسحاب!

لم يدرى ميزو كم من الوقت مر عليه متأملاً و لكن ضوء النهار بدأ يتداعى بينما مازالت نوسة تحاول جاهدة حكاية الحلقة و فرفر يستمتع بمقاطعتها و تشتيتها. إنه مزيج من الأصدقاء لا تجده كثيراً. تجمعهم البراءة و الصفاء برغم كبر أعمارهم.

أخذ ميزو يتابع طائراً يحوم حول المكان لفترة كما لو كان تائهاً أو يبحث عن شىء ما ضائع منه. إرتفعت رنة موبايله المميزة متصاعدة تدق بقوة حتى كادت تخترق رأسه. نظر ميزو إلى المنضدة فوجد موبايلات أصدقاءه بجوار موبايله فإنتفض قلبه من مكانه و إختطف موبايله محدّقاً فى الشاشة. هل هى؟
قال ميزو (حيث لا تسمع الطرف الآخر):
- ألو؟
- ......
توقفت نوسة عن الكلام و فرفر عن الضحك للحظة و قالت نوسة:
- إيه ده أنا مخدتش بالى التليفون بيرن
- (فرفر ضاحكاً) طبعاً مانتى صوتك قد كده
- (نوسة بصوت عالى) لأ إنت إللى ضحكك جايب آخر الجنينة

عاد الأصدقاء للمسلسل بينما إبتعد ميزو قليلاً و سدّ أذنه:
- أيوه أنا ميزو، دوللى؟
- .......
- إزيِك؟ عاش من سمع صوتِك.
- .......
- أبداً، أنا كنت قاعد مستنى.
- ......
- مستنى تليفونك طبعاً.
- ......
- صدقينى، أنا بقالى كتير قوى مستني.
- .......
- لأ، أنا ورايا إيه؟ إتفضلى أنا معاكى.
- .......
- أيوه يا دوللى؟
- ......


قالت نوسة لفرفر:
- هى مش دوللى دى كانت زميلته فى الكلية؟
- أيوه غريبة دى عمرها ما كلمته...
- دى هاجرت من تلات سنين و ...
- و أخبارها إنقطعت

ميزو يتابع حديثه فى الموبايل:
- مالك؟ سكتتى ليه؟ خير؟
- ........
- فاكر موضوع زمان؟! بتاع إيه؟!
- ........
- قصدِك لما إتكلمنا زمان فى موضوع كده؟
- .........
- طبعاً فاكر، هو دى حاجة تتنسى!
- .........
- سكتتى تانى ليه؟ أرجوكى كمّلى..
- ........
- مش عارف يا دوللى، بس أنا كنت وعدت نفسى زمان مفكرش فى حد مبيفكرش فيا..
- .......
- ممكن تفهّمينى أكتر؟
- ......
- أنا فعلاً بعدت عنّك – مع إنى كنت لسه بحبك – بس ده عشان أنسى و أبتدى حياتى من جديد.
- ......
- لأ... مقدرتش، بس بتسألى ليه؟
- .....
- متضايقة؟ ليه؟
- .....
- بس أنا كنت فاكر إنى مش فارق معاكى.
- .......
- مش مصدّق، قصدك إيه مشاعر الإنسان بتتغير؟
- ......
- لو أنا بحب حد قوى أقوله إيه؟ ده سؤال برضه؟
- ........
- طبعاً أقوله إزيك عامل إيه..
- ......
- (دامعاً) أنا؟!!! أنا كويس قوى قوى قوى.
- .....
- (ضاحكاً)أيوه كده إضحكى شوية...
- .....
- (دموع ساخنة تسيل على وجهه) و أنا كمان بحبك قوى. يعنى كنتى مخبية عنى كل الفترة دى؟ ليه؟
- ......
- طب كنتى إدينى أى علامة، إنتى عارفة أنا مستنى اللحظة دى من كام سنة؟
- ......
- مستنى من زمان المكالمة دى عشان أحكيلك على كل الحاجات اللى عملتها طول الفترة اللى قضيناها سوا و أشوف خدتى بالك ولا لأ.
- .......
- حاجات كتير صدقينى... بس حاجات بسيطة قوى، كان نفسى تاخدى بالك.
- .......
- فاكرة أول مرة إتغدينا سوا؟ أنا كنت واكل بس حبيت آكل تانى معاكى – تلكيك بقى.
- .......
- فاكرة لما عزمت الكورال كله على السينما؟ ده كان عشانك – كنت عارف إنك كان نفسك تروحى الفيلم ده. كل الناس جت إلا إنتى، كان نفسى تحضرى جنبى.
- .......
- فاكرة كنت بجيبلك إيه مخصوص مرة كل أسبوع تقريباً؟
- .......
- أيوه دى كانت عشانك إنتى بس.
- .......
- طب فاكرة العروسة؟
- .......
- و الصور بتاعتى؟
- .......
- صدقينى كل حاجة كنت بعملها كنت بفكر فيكى. أنا مبسوط قوى دلوقتى إنى حكيتهالك، و مبسوط أكتر عشان أخيراً حسيتى بيها.
- .......
- عارفة أنا حاسس بإيه؟ زى ماكون بحلم مش بكلمك بجد. عارفة أنا ياما حلمت بالمكالمة دى و إتمنيتها.
- .......
- أنا زى ماكون عشت المكالمة دى قبل كده بكل تفاصيلها – إحساس غريب قوى مش قادر أوصفهولك.
- .......
- مش لازم نضيع دقيقة واحدة كمان من عمرنا، اليوم ده أحلى يوم فى عمرى. اللحظة دى أجمل لحظة فى حياتى – نفسى أعملّها ستوب كده و أفضل أعيدها مرة ورا مرة ورا مرة – لغاية ما تسفّ.
- ......



- مع السلامة يا أجمل حب. دوللى؟
- .......
- أرجوكى تعالى، أنا محتاجلك.
- .......
- سلام.

إرتفع صوت الموبايل تيت تيت تيت ثم فصل تماماً مثل صاحبه الذى حدّق فى الفراغ ثم نظر لأصدقائه – الذان يبدوان كما لو كانا منصتين للحوار بأكمله، فقد كف فرفر عن الضحك بينما إنخرطت نوسة فى البكاء و قالت:
- أنا مش فاهمة حاجة بس أنا فرحتلك.
قال ميزو و هو يجلس على مقعده فى سعادة – كما لو كان لا يدرك وجود أصدقاؤه:
- أنا مبسوط قوى، أنا فضلت كتير قوى مستنيها تكلمنى و تقولى إنها بتحبنى. أنا كنت فاكرها عمرها ما هتحبنى. أخيراً القدر رضى عنى. أخيراً اللى حبيته حبنى. أنا مش مصدق أنا هتجنن !!
أخرج ميزو من قميصه خطاباً مهترئا و أخذ يتأمله فى هدوء بأيادى مرتعشة بينما سقطت منه صورة على الأرض بدون أن يلاحظها.
عاد فرفر للحديث مع نوسة قائلاً:
- مش ممكن، الواد ده ممل جداً. كل يوم كده.
- (نوسة فى دهشة) فعلاً؟
- (فرفر فى غيظ) يا دى الزهايمر
جاءت فتاة من بعيد ترتدى ملابس بيضاء أنيقة و تحمل صينية بها أكواب من الماء وضعتها أمامهم. ثم مالت على الأرض و إلتقطت الصورة و وضعتها على المنضدة. إبتسمت فى هدوء و قالت و هى تشير إلى ساعتها:
- أنا آسفة، المعاد جه.
أومأ الجميع برؤوسهم فى تفهم للفتاة التى حيّتهم و إنصرفت من حيث أتت بينما مدّ كل منهم يده إلى جيبه. نظرفرفر إلى الصورة و هو يشرب الماء، صورة لفتاة جميلة هادئة الملامح و بجوارها شاب وسيم و طفلان توءمان – يشبهان الفتاة تماماً.


إبتلعت نوسة قرصاً من الدواء و شربت القليل من الماء ثم نظرت بإستغراب إلى ميزو الذى إلتقط موبايله فى لهفة و قال:
- أيوه أنا ميزو، دوللى؟
- .......
- إزيِك؟ عاش من سمع صوتِك.
- .......
- أبداً، أنا كنت قاعد مستنى.
- ......
- مستنى تليفونك طبعاً.
- ......

كان الظلام قد خيم على المكان تماماً عندما قام الجميع من الحديقة متجهين إلى داخل المصحة الخاصة حيث يباشرون علاجهم النفسى من عام مضى. لقد تعارفوا هناك حتى صاروا أصدقاء مقربين.
سألت نوسة فرفر بصوت خفيض:
- هو مش موبايله فصل؟ بيتكلم إزاى؟
لم يرد فرفر على نوسة بل إبتسم فى هدوء و ربت على كتفها فى هدوء كما يفعل كل يوم و تابع مسيرته إلى الداخل. مسكين ميزو طالما حلم باليوم الذى تتصل به فتاته يوماً بعد يوم حتى جاءه هذا الجواب فطار صوابه.
أخذ ميزو يهمس فى الموبايل:
- عارفة أنا حاسس بإيه؟ زى ماكون بحلم مش بكلمك بجد. عارفة أنا ياما حلمت بالمكالمة دى و إتمنيتها.
- .......
- أنا زى ماكون عشت المكالمة دى قبل كده بكل تفاصيلها – إحساس غريب قوى مش قادر أوصفهولك.
- .......

الثلاثاء، مارس ٢٠، ٢٠٠٧

لمن لا يهمه الأمر


كتير قوى الواحد بيكون متأكد من حاجة، لكن مش عايز يصدقها و يفضل دايماً يكدّب نفسه و يكدّب اللى حواليه عشان يفضل عايش فى حلم من خياله.
كتير قوى بنتمنى حاجات حلوة و مبتحصلش و بتحصل حاجات كويسة مش بنتمناها و لا بنحتاجها.
كتير بتسمع كلام حلو من ناس بيبقى هتموت تسمعه من ناس تانية، و تسمع كلام من ناس عمرك ما تحب تسمعه منهم.
كتير مش بنعرف مشاعر الناس غير لما بنشوف النظرة دى فى عينيهم و همّا بيقولولنا مع السلامة.
كتير بنقرر حاجات مهمة من غير ما نفكر و نفكر كتير قوى فى حاجة من غير ما نقرر.
لو بتحب حد قوى و هو مش بيحبك، إبعد عنه.
لو حد بيحبك قوى و إنت مش بتحبه، خليك صاحبه، هو محتاجلك لغاية ما يقدر يبعد عنك.
لو بتحب حد، لازم تقولّه، و لو بتحبى حد لازم تديله علامة.
ممكن أحكيلك ألف حكاية لكن فيه حاجات كتير مش ممكن تحس بيها غير لما تجربها بنفسك و حاجات مش ممكن تصدقها غير لما تحصل لك.
لو عندك إستعداد تضحى بحاجة إنت بتحبها أو تقبل حاجة إنت مش بتحبها عشان حد إنت بتحبه يبقى إنت فعلاً بتحبه بجد.
كتير بتسمع أغنية بيبقى نفسك تهديها لحد زى ما هى كده و مش عارف.
أو تكتب كلام زى ده و تسمع تعليقات من كل الناس إلا الناس اللى إنت نفسك تسمع منهم.
أو حتى تسمع منهم، بس غير الكلام اللى إنت نفسك تسمعه منهم.

نصيحة... و اللا أقولك، المرة الجاية

إضغط هذه العلامة لتحميل الموسيقى