الاثنين، يناير ٠١، ٢٠٠٧

الليلة 1313 من ليالى ألف ليلة



فصة قصيرة بقلم ميشيل حبيب


بداية الكلام
إهداء: لكل من قسا الحب و القدر عليه 13 مرة فأكثر.
تحذير - القصة كئيبة جداً!

عودة شهرزاد بقصة أخيرة
و لما كانت الليلة الأولى بعد الألف ليلة، عفا الملك الجبار المدعو شهريار عن زوجته شهرزاد بنت الوزير المختار بعد أن أذهلته بقصصها الساحرة و رواياتها العامرة بحكمة طاغية. و أدرك الملك المغوار كم هو محظوظ بزوجة فى مثل ذكائها الفطرى و جمالها السرمدى و إخلاصها الأبدى. و كفّت شهرزاد عن الحكايات و أخذت ترعى الأولاد بينما مضى شهريار يحكم البلاد و عاشا فى تبات و نبات.

و لم يمض عليهم عام و هم يعيشون فى سلام و إنسجام حتى إشتاق الملك الهمام إلى حكاية من حكايات زمان. و عادت شهرزاد للكلام، تحكى حكاية الختام، آخر حكاية قبل المنام، حكاية الشاب الغلبان الذى رفض حبه كل الصبايا الحسان، بل كل بنات هذا الزمان.

الليلة 1313
و لما كانت الليلة الثالثة عشر بعد الثلاثمائة بعد الألف، دخلت شهرزاد إلى مخدعها و جلست بين يدى زوجها و ملكها و فتحت فمها بالكلام و قالت بعد السلام:
بلغنى أيها الملك السعيد ذو الرأى الرشيد أنه فى عام من الأعوام فى المستقبل البعيد عاش رجلاً تقياً يدعى عطيه الحبشى. كان الحبشى طبيباً للغلابة و نصيراً للضعفاء و قد أحبه الجميع من أهل المدينة، الفقراء منهم و الأغنياء. و رزقه الله بزوجة جميلة و أولاداً يحسدهم عليهم الحاسدين و الغرباء.
توالت السنون و كبر البنون و منهم الفتى ملاك الذى قد ورث حكمة أبيه و طيبة و جمال والدته الحنون. و صار ملاك شاباً رائعاً و قد برع فى عمله براعة و نجح فى حياته نجاح لكنه قضى شبابه ملاّح بعيداً عن مدينته سوّاح. و لما شعر ملاك بغربته و أحس بوحدته و سرق الزمان عمره و راحته وجد نفسه محتاجاً لأنيس حياته، لمن يشاركه نجاحه، لمن يقاسمه فرحه و يشاطره كربه و يملأ عليه دنياه و عمره. رجع ملاك إلى المدينة و قد عقد العزيمة ألا يهدأ له بال حتى ينال زوجة كريمة تعوضه الأيام الأليمة.

جمال جميلة
لم تكد تقع عليها عيناه حتى إهتز لها كل كيانه و إرتجت لها كل مشاعره، هى جميلة و إسمها جميلة، كل ما رسم فى خياله من جمال وجد مثله ألف مرة فى ملامحها ذات الدلال. وجهها المشرق كالشمس فى فصل الربيع، عيناها الدافئتان بلون السماء الصافى البديع، شعرها الذهبى يتطاير كخيوط من نور و قدها الرقيق الملفوف كالصبايا الحور. لم يكن ليختلف إثنان على جمالها الفتان و من يراها يصير شاعراً لآخر الزمان.
عشق ملاك جميلة و لم تعشق جميلة ملاك. رأى ملاك فى جمالها متعة قد تملأ حياته سعادة و هناء و تمنى لو شاركته جميلة رحلة عمره إلى الفناء.
و لكنها لم تجد فيه ما وجد فيها و ما قبله ملاك رفضته جميلة. رفضاً قاطعاً رفضاً أخيراً
هام ملاك على وجهه أيام، حزيناً على حب ما دام، لا تصاحبه إلا الدموع و الآلام، حتى وصل إلى كهف إدريس، الساحر الخبيث صديق الجن و الشيطان.
فقال ملاك شاخصاً نظره إلى السماء: ربى لم وهبتنى عينان أرى بهما كل هذا الجمال الفتان ثم تحرمنى منه الآن. كم هو أليم أن أنعم برؤية الجمال و لكن حصولى عليه محال. فلتأخذ منى بصرى فى التو و الحال.
فلما سمعه الساحر إدريس ضحك ضحكة إبليس و عرض عليه عرض خسيس أن يأخذ منه بصره بثمن رخيص.
و رجع ملاك إلى المدينة و نام، و جاءته الكثير من الكوابيس و الأحلام، و صحا فى اليوم التالى فى ظلام تام.

حكمة حكيمة
جاءت لتقص عليه الحكايات و تقرأ له الأخبار و المقالات. فتسلل حديثها المثير إلى أذنيه عبر الأثير و تغلغل إلى قلبه شعور غزير و حب كثير. غلبته حكيمة بحكمتها و أحس بالأمان فى ثقة نبرتها و الثقافة الأجنبية فى لكنتها. كان يشتاق لسماع صوتها الشجى الحنون حتى كاد يصيبه الجنون.
كان كلام حكيمة يتجاوز أذنيه ليسبر أغوار عقله، كم كان حديثها مريحاً فصار قلبه شريداً حتى عشق ملاك حكيمة لكن لم تعشق حكيمة ملاك. سمع ملاك فى صوتها سحراً قد يملأ حياته سعادة و هناء و تمنى لو شاركته حكيمة رحلة عمره إلى الفناء
و لكنها لم تجد فيه ما وجد فيها و ما قبله ملاك رفضته حكيمة، رفضاً قاطعاً رفضاً أخيراً
هام ملاك على وجهه أيام، حزيناً على حب ما دام، لا تصاحبه إلا الدموع و الآلام، حتى وصل إلى كهف إدريس، الساحر الخبيث صديق الجن و الشيطان.
فقال ملاك: ربى لم وهبتنى أذنان أسمع بهما هذا الكلام الرنان و الحديث الفتان ثم تحرمنى منه الآن. كم هو أليم أن أعيش فى جنة حكمتها و نعيم أفكارها ثم تطردنى منه كالشيطان. و ما إحتياجى إلى سمعى الآن. فلتأخذه كما أخذت العينان.
فلما سمعه الساحر إدريس ضحك ضحكة إبليس و عرض عليه عرض خسيس أن يأخذ منه سمعه بثمن رخيص.
و رجع ملاك إلى المدينة و نام، و جاءته الكثير من الكوابيس و الأحلام، و صحا فى اليوم التالى فى هدوء تام.

رقة حنان
مرت شهور طوال لم تتغير فيها الأحوال، و بقى ملاك فى الظلام والهدوء التام. إلى أن جاءت حنان لترعاه باقى الأيام. عند غروب شمس الأصيل كانت تصحبه إلى شاطىء النخيل ليتنسم الهواء العليل و يداعب شعاع الشمس الأخير وجهه الكسير قبل أن يسقط أسير فى البحر الكبير.فى بعض الأحيان كانت تمسك يديه بحنان كلما غابت الشمس عن العيان. و كم من مرة أطلق ملاك لقدميه العنان حتى لامست الشطآن و إرتطمت بموج البحر الغضبان. وقفت بجانبه فشعر بأنفاسها الدافئة كأحضان حارة تحيط بظلامه الكئيب، كشموع ساخنة تنير عالمه الغريب. كانت ترى حزناً دفيناً فى عينيه الشاردتين فتربت على يديه المرتعشتين، كم كان حنانها دافقاً كالبحر، عشق ملاك حناناً لكن ما عشقت حنان ملاكاً. لمس ملاك فى يديها رقة قد تملأ حياته سعادة و هناء و تمنى لو شاركته حنان رحلة عمره إلى الفناء.
و لكنها لم تجد فيه ما وجد فيها و ما قبله ملاك رفضته حنان، رفضاً قاطعاً رفضاً أخيراً
هام ملاك على وجهه أيام، حزيناً على حب ما دام، لا تصاحبه إلا الدموع و الآلام، حتى وصل إلى كهف إدريس، الساحر الخبيث صديق الجن و الشيطان.
فقال ملاك: ربى لم وهبتنى قلباً ضعيفاً يرق لهذه المشاعر الرقيقة و الأحاسيس الرهيفة ثم تحرمنى منها فى دقيقة.. كم هو أليم أن ألمس رقة و حنان ثم تحرمنى منهم الآن . و ما إحتياجى إلى قلبى و مشاعرى. فلتأخذها كما أخذت سمعى و بصرى.
فلما سمعه الساحر إدريس ضحك ضحكة إبليس و عرض عليه عرض خسيس أن يأخذ منه مشاعره بثمن رخيص.
و رجع ملاك إلى المدينة و نام، و جاءته الكثير من الكوابيس و الأحلام، و صحا فى اليوم التالى بلا مشاعر ففقد حاسة اللمس و الآلام.

حلم أحلام
فقد ملاك إتصاله بالعالم فهو لا يرى أحداً، لا يسمع أحداً، بل لا يشعر بأحد، حتى يدى والدته التى تربت عليه لم يعد يشعر بها. لقد أصبحت حياته هى مجرد حلم، بل أصبح الحلم هو حياته. و لم يمض الكثير من الوقت حتى تعرف عليها، هى، كل الفتيات التى أحبها مجتمعة فيها، جمال جميلة، حكمة حكيمة، و رقة حنان. إنها أحلام. نعم، إسمها أحلام، و صفاتها أحلام، أحلام ملاك لفتاة أحلامه التى عاد لمدينته من أجلها و ضحى بحياته كلها حزناً على عدم وجودها، ها هى الآن، هو يراها و يسمعها و يحس بها. كم هو سعيد بحلمه، كم يتمنى لو بقى فى حلمه طوال عمره. تشجع ملاك و تقدم من أحلام و طلبها بقربه. و لكنه كلما إقترب هو منها، إبتعدت هى عنه!
عشق ملاك أحلامه لكن ما عشقت أحلام ملاك. وجد ملاك فيها ما يملأ حلمه سعادة و هناء و تمنى لو شاركته أحلام عمره إلى الفناء.
و لكنها لم تجد فيه ما وجد فيها و ما قبله ملاك رفضته أحلام، رفضاً قاطعاً رفضاً أخيراً
هام ملاك على وجهه أيام، حزيناً على حلم ما دام، لا تصاحبه إلا الدموع و الآلام، حتى وصل إلى كهف إدريس، الساحر الخبيث صديق الجن و الشيطان.
فقال ملاك: ربى لم وهبتنى خيالأ خصيباً و حلماً جميلاً و حظاً قليلاً. و ما إحتياجى إلى خيالى و أحلامى. فلتأخذها كما أخذت سمعى و بصرى و مشاعرى.
فلما سمعه الساحر إدريس ضحك ضحكة إبليس و عرض عليه عرض خسيس أن يأخذ منه أحلامه بثمن رخيص.
و رجع ملاك إلى المدينة و نام، و لكن ما جاءته كوابيس و لا أحلام، حتى وافته المنية فى المنام.

نهاية الكلام
و إستدركت شهرزاد: مولاى، هكذا كانت النهاية الأليمة لشاب لم يتمنى سوى زوجة كريمة. و لكن رفضته كل جميلة، رفضته كل حكيمة، رفضه كل حنان بل رفضته حتى الأحلام. فرفض هو الحياة، فما الذى تعنيه حياة إنسان بلا شريك طول الزمان يشاركه نجاحه، يقاسمه فرحه، يشاطره كربه و يملأ عليه دنياه و عمره. .

و أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح و بدأ الديك فى الصياح و خلد شهريار إلى النوم فى إرتياح.

ميشيل حبيب.. فى 1 يناير 2007




حقوق النشر محفوظة لدى الشهر العقارى و جمعية حقوق المؤلف.
Artwork by - Rowena Morrill, William Bouguereau